سورة المائدة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


قوله تعالى: {إِني أُريد أن تبوء بإثمي وإِثمك} فيه قولان:
أحدهما: إِني أُريد أن ترجع بإثم قتلي وإِثمك الذي في عنقك، هذا قول ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك.
والثاني: أن تبوء بإثمي في خطاياي، وإِثمك في قتلك لي، وهو مروي عن مجاهد أيضاً. قال ابن جرير: والصحيح عن مجاهد القول الأول. وقد روى البخاري، ومسلم في صحيحهما من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقتل نفس ظلماً إِلاّ كان على ابن آدم الأول كِفْل من دمِها، لأنه كان أول من سن القتل» فإن قيل: كيف أراد هابيل وهو من المؤمنين أن يبوء قابيل بالإِثم وهو معصية، والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أنه ما أراد لأخيه الخطيئة، وإِنما أراد: إِن قتلتني أردت أن تبوء بالإِثم، وإِلى هذا المعنى ذهب الزجاج.
والثاني: أن في الكلام محذوفاً، تقديره: إِني أُريد أن لا تبوء بإثمي وإِثمك، فحذف لا كقوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [لقمان: 10] أي: أن لا تميد بكم، ومنه قول امرئ القيس:
فقلتُ يمينُ اللهِ أبرحُ قاعداً *** ولو قطَّعوا رأسي لَدَيْكِ وأوصالي
أراد: لا أبرح. وهذا مذهب ثعلب.
والثالث: أن المعنى: أريد زوال أن تبوء باثمي وإِثمك، وبطلان أن تبوء باثمي وإِثمك، فحذف ذلك، وقامت أن مقَامه، كقوله: {وأُشربوا في قلوبهم العجلَ} [البقرة: 93] أي: حبّ العجل، ذكره والذي قبله ابن الأنباري.
قوله تعالى: {وذلك جزاء الظالمين} الإِشارة إِلى مصاحبة النار.


قوله تعالى: {فطوّعت له نفسه} فيه خمسة أقوال.
أحدها: تابعته على قتل أخيه، قاله ابن عباس.
والثاني: شجَّعته، قاله مجاهد.
والثالث: زيَّنت له، قاله قتادة.
والرابع: رخَّصت له، قاله أبو الحسن الأخفش.
والخامس: أنَّ {طوّعت} فعَّلت من الطوع والعرب تقول: طاع لهذه الظبية أصول هذا الشجر، وطاع له كذا، أي: أتاه طوعاً، حكاه الزجاج عن المبرّد. وقال ابن قتيبة: شايعتْه وانقادت له، يقال: لساني لا يَطوع بكذا، أي: لا ينقاد. وهذه المعاني تتقارب.
وفي كيفية قتله ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه رماه بالحجارة حتى قتله، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: ضرب رأسه بصخرة وهو نائم، رواه مجاهد عن ابن عباس، والسدي عن أشياخه.
والثالث: رضخ رأسه بين حجرين. قال ابن جريج: لم يدر كيف يقتله، فتمثّل له إِبليس، وأخذ طائِراً فوضع رأسه على حجر، ثم شدخه بحجر آخر، ففعل به هكذا، وكان ل هابيل يومئذٍ عشرون سنة. وفي موضع مصرعه ثلاثة أقوال.
أحدها: على جبل ثور، قاله ابن عباس. والثاني: بالبصرة، قاله جعفر الصادق. والثالث: عند عَقْبَة حِرَاء، حكاه ابن جرير الطبري.
وفي قوله: {فأصبح من الخاسرين} ثلاثة أقوال.
أحدها: من الخاسرين الدنيا والآخرة، فخسرانه الدنيا: أنه أسخط والديه، وبقي بلا أخ، وخسرانه الآخرة: أنه أسخط ربه، وصار إِلى النار، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه أصبح من الخاسرين الحسنات، قاله الزجاج.
والثالث: من الخاسرين أنفسهم بإهلاكهم إِيّاها، قاله القاضي أبو يعلى.


قوله تعالى: {فبعث الله غراباً يبحث} قال ابن عباس: حمله على عاتقه، فكان إِذا مشى تخطُّ يداه ورجلاه في الأرض، وإِذا قعد وضعه إِلى جنبه حتى رأى غرابين اقتتلا، فقتل أحدهم الآخر، ثم بحث له الأرض حتى واراه بعد أن حمله سنين. وقال مجاهد: حمله على عاتقه مائة سنة. وقال عطية: حمله حتى أروح. وقال مقاتل: حمله ثلاثة أيام. وفي المراد بسوأة أخيه قولان:
أحدهما: عورة أخيه. والثاني: جيفة أخيه.
قوله تعالى: {فأصبح من النادمين} فان قيل: أليس الندم توبة، فَلِم لم يقبل منه؟ فعنه أربعة أجوبة.
أحدها: أنه يجوز أن لا يكون الندم توبة لمن تقدَّمنا، ويكون توبة لهذه الأمة، لأنها خصّت بخصائِص لم تشارَك فيها، قاله الحسن بن الفضل.
والثاني: أنه ندم على حمله لا على قتله.
والثالث: أنه ندم إِذ لم يواره حين قتله.
والرابع: أنه ندم على فوات أخيه، لا على ركوب الذنب. وفي هذه القصّة تحذير من الحسد، لأنه الذي أهلك قابيل.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13